السبت، 15 نوفمبر 2008

القضية الفلسطينية

القضية الفلسطينية
ليست قضية .... وليست فلسطينية

كانت هيئة الإذاعة البريطانية BBC قد طلبت منى أن أدلى برأيي فى بعض القضايا المعاصرة فآثرت أن أكتب فى قضية قديمة حديثة ، تكلمنا وما زلنا وسنظل نتكلم عنها دهرا طويلا ، فلا هى تجد حلا ولا نحن نجد منها مفرا ، ألا وهى القضية الفلسطينية ، وأعلم أن ما سأقوله عنها لن يرضى العديد من الكتاب المعاصرين الذين نصبوا أنفسهم للحديث نيابة عنا ، والذى يبدو أن هذا البعض قد فهم صمتنا على أنه اقتناعا برأيهم أو سكوتنا على أنه تسليما بصحة معتقدهم ، ولكن الحق أننا توارثنا العديد من المسلمات التراثية تربينا عليها وتربت عليها الأجيال التالية وصارت من القوة بمكان بحيث يصعب معها المعارضة أو النقاش ، ولكن الأصل لن يعدم وسيلة للعودة مرة أخرى .
وأولى تلك المسلمات التى تربينا عليها هى حقنا فى القدس على أنه أولى القبلتين وثانى الحرمين ، وقد جرى الحديث على هذا الطريق بحيث يفهم العامة أن الدين هو الباعث على تلك العداوة لاستعادة الممتلكات ويبدو أن القائلين بهذا الرأى قد انطلقوا من الدين دون أن يفهموا عنه ولم يعد الدين لهم مرجعا فليس لديهم الوقت ولا العقل للنظر فيه . لكن بالعودة لهذا الأصل الأصيل من الدين سنجد الصورة مختلفة .
ففى العام الثالث قبل الهجرة وفى حادث الإسراء والمعراج نزل قوله تعالى : (( سبحان الذى أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذى باركنا حوله )) فقد سمى المولى عز وجل هذا المكان الجليل بالمسجد الأقصى ، وبعد الهجرة بستة عشر شهرا تقريبا نزل قوله تعالى : (( ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك وما أنت بتابع قبلتهم وما بعضهم بتابع قبلة بعض )) النص صريح على أن المسجد الأقصى الذى ذكر قبلا هو ليس ملكا للمسلمين ولا قبلة لهم بل هو ملك لليهود و قبلة لهم وكان اتجاه المسلمين له فى بادئ الأمر لحكمة ذكرت نصا فى الآية (( وما جعلنا القبلة التى كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ... )) الآية وقد نص الشارع الحكيم مرة أخرى على ذلك (( ولكل وجهة هو موليها )) فليس بعد الحق إلا الضلال ،فالنص يقول صراحة أن المسجد الأقصى الذى لم يك قد بنى بعد هو قبلة اليهود ولم يكن لذلك منازع فى الأولين .
نحن هنا لا نقول من يدخل ومن يخرج من المسجد الأقصى ولكننا نتحدث عن هوية القضية ، فالذى يريد أن يبنى بناء يجب أن ينظر للأرض التى يقف عليها أولا ، ولا أريد للحديث أن يفهم على أنه تخلى عن المكان ، ولكن المسألة هى أننا يجب أن نحدد هوية التناول حتى لا نترك أرواحنا فى أيدى العابثين بها زاعمين أنهم يدافعون عن الدين وحدهم ويستشهدون ونحن واقفون جبناء لا نبذل للدين درهما ، و نصحو بعد ذلك فنجد أننا كنا نعيش وراءهم فى تأويل خاطئ ، ولذلك قلنا القضية الفلسطينية ليست قضية بمعنى أننا لا نعرف هويتها حتى ننطلق إلى حلها ، وليس فى ذلك حجبا لمن يقدم يد العون للفقراء المحتاجين منهم ، ولعل الغرب هم أصدق فى ذلك منا ذلك لانطلاقهم من جانب إنسانى واضح الأبعاد لا عن تضليل فكرى قديم ، وقد طلبت من هيئة الإذاعة البريطانية عمل استفتاء من الجانبين الإسلامي واليهودي ، ومؤداه :
هل ترى أن القضية الفلسطينية : 1- قضية دينية
2- قضية سياسية
بداية لنعرف عن أى نوع من القضايا نتحدث فالذين يرونها قضية دينية عليهم أن يأتوا من النص المشرع بيان حدود القضية وما هو رأى الدين فى هذا العداء وسبيل الحل له ، ولا أعتقد أن الدين من الطرفين ينص على عداء أو قتل إلا عند من يتأولون النص على هواهم وكثير ما هم ، أما من يرونها سياسية فعليهم ألا يقحموا الدين كلما عجزوا عن الحل كما هو الحال الآن وعليهم أن يروا الحل فى دولة واحدة تجمع الفريقين وهذا موجود فى كل دول العالم التى تضم كل الأديان وكل الأعراق فليس عجيبا أن تضم دولة فلسطينية واحدة جميع الأديان كما هو كائن بالفعل فى العديد من دول العالم ، أو أن يكون الحل فى دولتين متجاورتين لكل منهما دينه ومعتقده .
و إذا كان ذلك كذلك ولم نحدد بعد مفهوم القضية فنحن كذلك لم نحدد أنها فلسطينية فالمشكلة أيضا أننا لم نترك القضية لأصحابها حتى تحل بل تضافرت عليها العديد من الجهات الخارجية عربية وإسلامية ودولية فصارت ليست قضية فلسطينية بل عربية وإسلامية ودولية ، فأنى لنا أن نحلها طالما نحن نبحث عن تعقيدها وزيادة الأطراف المتناحرة فيها ، فالكعكة التى لا تقسم على اثنين كيف تقسم على خمسة أو عشرة فكل طرف يدخل فى النزاع يدخل بوجهة نظرة وبمصالحه مهما كانت نيته صالحة والمشاكل لا تحل إلا إذا قل عدد المتنازعين فيها وأهل مكة أدرى بشعابها .
ولا يطعن فى ذلك أن أحد الطرفين أضعف من الآخر فمهما زاد عاد المتداخلين فى النزاع فلن يقوى ذلك طرفا ضعيفا على طرف أو يعيد التوازن بينهما فسيبقى أحد الجانبين أقوى من الآخر وأعتقد أن الأيام أثبتت صحة هذا القول . ومن قال إن القوة هى الحل ! فليس هذا إلا عند من يريد أشعال الموقف واستمرار الحرب والنزاع ، ولنا فى المثال اليابانى والألمانى النموذج الصحيح فقد صارت هاتان الدولتان من القوى العظمى الآن ليس بالسلاح ولا صواريخ القسام بل إن العلم والعمل هما من حملا هاتين الدولتين للوصول للقمة ، ولم يستخدما القوة فى التفوق بل كان العلم هو السلاح الناجع .
وأعتقد أن من يضللوننا كل هذه الأعوام هم أعداء العلم والعمل معا ومن يريدون لنا البقاء فريسة الجهل والتخلف ، يريدون أن يظلوا فى أماكنهم يأتى لهم الطعام والرواتب دون عمل أو جهد منهم ، فهل يقول الدين ذلك ، وهم متسترون بالدين لعلمهم أن ذلك القناع هو الذى يحميهم ويبعد عنهم نظر العامة من الناس ولكن الحق أن الموروث القديم من العادات والتقاليد هو الذى يقود هذه التيار البارز على السطح ويفهمه الناس على أنه تيار دينى لكنه خليط من العادات البالية والتقاليد البدوية التى ظهرت بشكل يبدو للعامة على أنه هو الدين وليس هو كذلك على الأرجح ، وأرجو أن يفهم الكلام على صحيح معناه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت .
والله من وراء القصد
أنور محمد أنور

هناك تعليق واحد:

mohamed askar يقول...

مقال ممتاز فكرا ولغة واشارة قوية لما نقع فيه ولا زلنا مع معطم القضايا لكن هل من احد يستجيب لهذا