السبت، 18 أكتوبر 2008

آية .. وتفسير
قال تعالى : (( كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غمٍّ أعيدوا فيها ، و ذوقوا عذاب الحريق )) صدق الله العظيم سورة الحج 22
----------------------------------------
ليس تعقيبا على تفسير ولا تفسيرا بديلا لتفسير ، ولكنها ملاحظة وجبت وإشارة حقت ، حول هذه الآية الكريمة التى دار حولها المفسرون ، ووجدوا أن كلمة أعيدوا تقتضى أنهم خرجوا من النار فعلا فقالوا تفسيرا لذلك كما ورد فى الكشاف ( : معنى الخروج عند الحسن إن النار تعذبهم بلهيبها فترفعهم حتى إذا كانوا في أعلاها ضربوا بالمقامع فههوا فيها سبعين خريفا ) جـ 3 – ص 9 الكشاف – دار الفكر
والحق أن المحقق فى ذلك يرى أن التفسير ذهب وراء كلمة أعيدوا ، وهى عند الأعمش ردوا ، وهما يتفقان معنى على ما اتفقوا على تفسيره ، فكان الخلاف وراء معنى هل هم خرجوا من النار أم لم يخرجوا ؟ وطالما لم يخرجوا لقوله تعالى : (وما هم بخارجين من النار ) فكيف جاءت أعيدوا والإعادة تقتضى الخروج .
تساءل التفسير هل خرجوا أم لم يخرجوا ؟ وإذا كانوا لم يخرجوا فكيف أعيدوا .. والرأى أن التفسير أغفل كلمة أرادوا فهم لم يخرجوا ولكنهم أرادوا الخروج بمعنى تمنوا الخروج أو طلبوا ذلك . فكانت الإعادة لهذه الأمنية وهذا الطلب وليس للخروج الفعلى ، فكانوا كلما أرادوا أعيدت إرادتهم و أعيد طلبهم فهم أصحابها ( أصحاب النار ) معتقدين أن الخروج قد يكون أشد مما هم فيه ، فردت عليهم إرادتهم فيها ودليل ذلك قوله أعيدوا فيها ، فلم يقل أعيدوا إليها أى إلى النار فهم لم يخرجوا أصلا ، ولكنهم أعيدت أرادتهم فلم يطلبوا الخروج .
هذا والله أعلى وأعلم
- أ ن

الحجاج بن يوسف ج 1

(( اللـهم اغـفـر لى ...
فإن الناس يزعمون أنك لن تفعل ))
أردت – فيما أردت – أن أكتب نبذة تاريخية عن بعض مشاهير الشخصيات العربية التى دائما ما تدور حولها القصص الكثيرة والتى يحسبها البعض صحيحة ويطعن البعض الآخر فى صحتها وليس ذلك إلا عن عجب و إعجاب بها ؛ العجب من أفعالها والإعجاب من آثرها الباقية حتى اليوم ، وليس لدينا أفضل من الحجاج مثلا لبداية هذه السلسلة ، ذلك لما يشغله فى الذهن العربى ، فله من المعجبين الكثير وله من المبغضين أيضا ، الدارس الحاذق عليه أن يقف فى منتصف الطريق بينهما حتى يصل للحقيقة ، وسنحاول - كمنهج – أن نتبع الحدث التاريخى تفصيلا دون تعليق منا ، حتى لا نؤثر على القارئ ثم نجتهد معا للخروج بالمفهوم فى النهاية ، ونرجو المشاركة بالرأى .

ولد أبو محمد الحجاج بن يوسف الثقفى بن أبى عقيل بن الحكم الثقفى فى منازل ثقيف بمدينة الطائف فى عام 41 هـ و كان اسمه كليب ثم أبدله بالحجاج و أمه الفارعة بنت همام بن عروة بن مسعود الثقفى الصحابى الشهيد نشأ بالطائف و تعلم القرآن و الحديث و الفصاحة ثم عمل فى مطلع شبابه معلم صبيان مع أبيه يعلم الفتية القرآن و الحديث و يفقههم فى الدين لكنه لم يرض بعمله هذا على الرغم من تأثره به حيث اشتهر بتعظيمه للقرآن .
كانت الطائف تلك الأيام بين ولاية عبد الله بن الزبير و بين ولاية الأمويين لكن أصحاب عبد الله تجبروا على أهل الطائف فقرر الحجاج الإنطلاق إلى الشام حاضرة الخلافة الأموية التى تعثرت بعد مروان بن الحكم و صارت نهبا للمتحاربين و لعل سبب هذا التوجه البعيد هو بغضه لحكم عبد الله بن الزبير.
و فى الشام التحق بشرطة الإمارة التى كانت تعانى من مشاكل جمة منها سوء التنظيم و استخفاف أفراد الشرطة بالنظام و قلة المجندين فأبدى حماسة و انضباط و سارع إلى تنبيه أولياء الأمر لكل خطأ أو خلل و أخذ نفسه بالشدة فقربه روح بن زنباع قائد الشرطة و رفع مكانته و رقاه فوق أصحابه فأخذهم بالشدة و عاقبهم لأدنى خلل فضبطهم و سير أمورهم بالطاعة المطلقة لأولياء الأمور
لمس فيه روح بن زنباع العزيمة و القوة الماضية فقدمه للخليفة عبد الملك بن مروان و كان داهية مقداما جمع الدولة الأموية و حماها من السقوط فأسسها من جديد .
إذ أن الشرطة كانت فى حالة سيئة و قد استهون جند الإمارة عملهم فتهاونوا فكان مهموما لذلك و عندما أشار عليه روح بن زنباع بتعيين الحجاج وأسرف عليهم فى العقوبة و ضبط أمورهم و لم يعد فيهم لهو و لا تراخ حيث دخل عليهم الحجاج يوما وهم يأكلون فى عملهم فنهاهم فلم ينتهوا فأمر بهم فحبسوا و أحرقت سرادقهم فشكاه روح بن زنباع للخليفة فدعا الحجاج و سأله عما حمله على فعله هذا فقال إنما أنت من فعل يا أمير المؤمنين فأنا يدك و سوطك و أشار عليه بتعويض ابن زنباع دون كسر أمره .
و كان ابن مروان قد قرر تسيير الجيوش لمحاربة الخارجين على الدولة فضم الحجاج للجيش الذى قاده بنفسه لحرب مصعب بن الزبير و لم يكن أهل الشام يخرجون فى الجيوش فطلب الحجاج من الخليفة أن يسلطه عليهم ففعل فأعلن الحجاج أن أيما رجل قدر على حمل السلاح و لم يخرج معه أمهله ثلاثا ثم قتله و أحرق داره و انتهب ماله ثم طاف بالبيوت باحثا عن المتخلفين و بدأ الحجاج بقتل أحد المعترضين عليه فأطاع الجميع و خرجوا معه بالجبر لا الاختيار .....
يتبع فى العدد القادم