الأربعاء، 3 سبتمبر 2008

التخلى قبل التحلى

وأفاض صاحبى فى حديثه محاولا إقناع من يجادله ولكن هيهات أن يتحقق له ذلك ، فقلت هون عليك لا تسرف على نفسك لقد أسمعت لو ناديت حيا ! فقال أما من سبيل لإقناعه لقد بذلت له كل عقل ونقل فما له عنهما معرض وإن كان لم يقتنع بهما فبم يقتنع ؟ وكيف اقتنع بعكس ما أقول إن كان لا يملك منطق العقل ولا منطق النقل ؟
فقلت : البداية هى الحل . قال : زدنى . قلت البناء لا يتأسس على بناء آخر لابد من إزالة البناء القديم حتى تستطيع بناء غيره . المسألة لا تكمن فى وسيلة الإقناع لأنه أصلا لا يملك وسيلة الفهم فلا تتعب نفسك إن مشكلة العامة من الناس أنهم لا يفكرون فيما يقال لهم لذلك لا جدوى من حديث المنطق العقلى معهم والذين شحنوا عقولهم بهذه المغالطات لم يستخدموا منطق العقل بل أقبلوا على عقول فارغة من ثم لم يجدوا صعوبة فى شحنها بما يريدون أما ترى الشاب يقتل نفسه وهو مقتنع أنه ذاهب للجنة هل هذا فكر قبل أن يفعل ما فعل ؟؟ كلا انه الفراغ العقلى الذى من السهل أن تشحنه بما تريد مهما كان الشحن فاسدا أو لا يصدقه عقل أو منطق بهذا المبدأ تقنع المرأة بما تريد وتقنع الشاب بما تشاء لا قيد ولا حدود لما تذهب إليه بهما
إنها قاعدة فلسفية مشهورة (( التخلى قبل التحلى )) أى إذا أردت أن تتحلى بصفات جديدة يجب أن تتخلى عن الصفات القديمة لا تستطيع أن تملأ الكوب إذا كان ملآنا يجب أن تفرغه أولا ثم تملأ الكوب بما تريد أنت حاولت أن تملأ عقل صاحبك بشيء وعقله قد فاض بالأفكار الفاسدة فكيف يستقبل المزيد أما سمعت قول المجنون :
أتانى هواها قبل أن أعرف الهوى
فصادف قلبا خاويا فتمكنا
أن القلب الفارغ عرضة لأى حب جديد يقابله لكن القلب الذي يمتلئ بالحب ليس لديه مكان لحب جديد فقد انغلق على حبيبه وبقدر امتلاء الحب منه يكون ضعفه أمام الحب الجديد .
إن العامة من الناس ليست لديهم القدرة على استيعاب هذه الحقائق لذلك فهم عرضة لكل هاتف أو داع يلهثون وراءه وهذا الداعى يدرك مدى جهلهم وسذاجتهم وفراغ عقولهم فيندفع فى شحن عقولهم بمسلمات يقذفها فى قلوبهم تسكت العقل وتلغى المنطق فلا يجد بعدها صعوبة فى أن يأمرهم بما يريد حتى بأوامر لا تعقل ولا تصدق وتجد منهم التلبية السريعة والتصميم المتحجر والاندفاع المشحون وكأنهم يصدرون عن قناعة أو منطق ولكنهم عن العقل بعيدون ومن المنطق مستترون .
إن الحل يا عزيزى يكمن فى التخلى قبل التحلى قبل أن تعطيهم يجب أن تأخذ منهم لأنهم يمتلكون الكثير من الرأى الفاسد الذى يفسد كل ما يرد إليه ولن يتغلب عليه لأنه راسخ فى بديهياتهم و مسلماتهم ويجب أن يتم التخلى طواعية بإرادتهم هم لا بأمر منك فأنت مهما أمرتهم فلن يستجيبوا لقولك لأن عقيدتهم راسخة فى الجهل ليس من السهل انتزاعها .
قال صاحبى وهو بين المتفائل والمتشائم لا أفهم هل من الممكن ذلك أم من الصعوبة بمكان أن نحققه ؟ قلت الأمر يحتاج إلى وقت وصبر وعلم ؛ الوقت لأن ما بنى فى سنين لن تهدمه فى أيام والصبر لأن ما تقوله سيجد أمامه لجاجة فى الفهم ومماطلة و مقاومة من رؤوس الفساد لا تخفى عليك والعلم لأنه السلاح الذى به تتقدم على عدوك .
وأهم ما يجب أن تبدأ به أن يكون التخلى منهم لا منك هم الذين يجب أن يدركوا أخطاء ما قيل لهم ويضعوا أيديهم عليها بمساعدتك وفى كل يوم ينهدم فيه حجر من البناء القديم عليك أن تضع مكانه لبنة فى البناء الصحيح وفى كل لحظة تسقط فيها ورقة من شجرة الحقد عليك زراعة وردة فى جنة الحب . وليكن العلم والصبر ذراعيك اللتين تبنى بهما الحب والأيمان ،، وأكمل لك فيما بعد ..
والله من وراء القصد
أنور محمد أنور

ليست هناك تعليقات: