الجمعة، 22 أغسطس 2008

المقال فيما لا يقال

تحدثت كثيرا عن ثنائية الشكل و المضمون و هى ثنائية تفرض نفسهاعلى كل المستويات و ذلك أن خلق الإنسان نفسه جاء جامعا لهما فلا عجب أن تخرج الأفكار من خلال هذه الثنائية و قد ذكرت من قبل أن المضمون هو مقصد المشرع حيث كان المضمون هو مناط التمييزللإنسان فسجود الملائكة لآدم لم يكن لشكله أو لمادته التى صنع منها بل كان للشيء الذى حوله لمضمون متميز عن سائر المخلوقات( فإذا سويته ونفخت فيه من روحى فقعوا له ساجدين ) فالسجود لم يكن للشكل بل كان للمضمون ، وهذا المعنى واضح وصريح وبديهى و لكن يغفل عنه البعض و هذا ما يسبب أخطاء فى تناول العديد من الموضوعات .
و أنت واجد كذلك النصوص مؤكدة على ذلك و قد ذكرنا طرفا منها و هى أكثر من أن تحصى ، و السؤال اليوم عن سبب العدول عن هذا الوضوح و الصراحة و البديهية إلى الطرق الملتوية اللاهثة وراء اللفظ تارة أو الشكل أخرى و الجواب عن ذلك على محورين :
أما أحدهما فالركون إلى الدعة و الكسل و التواكل فالشكل يحقق لك هيئة خاصةلا معنى وراءهاو هى خير من التعب وراء المضمون الحقيقي .فإذا سألت مثلا عن السبيل التى تجعل منى مؤمنا قلت لى : هى أمور عديدة من الإخلاص و العدل و الصدق و الأمانة .. إلخ و عددت لى أموراً كثيرة هى مضمون الإيمان و مراده . عند ذلك أعلم أن السبيل صعبة . فأبحث عن آخر لأسأله فيقول : ما عليك إلا أن تطيل لحيتك و تلبس جلبابا أبيض قصيراً بذلك تكون مؤمناأمام الناس فيعجبنى هذا القول الذى يحول صورتى فقط و هو ما يريح ضميرى أمام نفسى و الناس .
بذلك المنطق الشكلى عبد الناس الأصنام و تركوا عبادة الله الواحد ، فالأصنام قدمت لهم عبادة شكلية فيها كل صور الطاعة من صلوات وصدقات وهى فى الوقت ذاته خاوية من المعنى الحقيقى للعبادة .
و قد ضرب الله لنا مثلا للباحثين عن الشكل وما لاقوه من تعب و جهد و هو بقرة بنى إسرائيل فهى قصة فيها حكمة بالغة كانت وراء تسمية السورة كلها بهذا الإسم تعظيما للدروس المستفادة منها فبنى إسرائيل لهجوا وراء الشكل و تركوا المعنى المراد عندما قال لهم موسى ( إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة ) فلم يذهبوا وراء المعنى المراد بل لهثوا وراء اللفظ ، فكان نتيجة ذلك تعب و عناء و ذم من الله ، و هذا المثل رغم وضوحه وضعه المشرع لنتعلم منه و لكننا اليوم نسير مسير بنى إسرائيل و لم نتعلم من الدرس . و هناك أمثلة أخرى لبنى إسرائيل الباحثين عن الشكل و ليس المعنى و هو المنهج الذى حذر منه الشارع فهناك حديثهم مع موسى عن اتخاذ إله من الحجر بعدما عبروا البحر معه وعبادتهم للعجل فهم لم يفهموا حقيقة المعنى و أكثر ما أخافه اليوم أن نكون غافلين عن هذه الموعظة القرآنية لاهثين وراء مجد دنيوى زائل أو هوى شخصى
المحور الثانى أن الاهتمام بالشكل هو باب عظيم للخلاف و ليس عكس ما يقال بأن التمسك باللفظ هو لتحقيق المراد فاللفظ يحقق لك فرصة كبيرة لإخراج الهوى الشخصى فى تفسير اللفظ كما تريد و الدليل أنك واجد الأحاديث النبوية منقولة بالمعنى أمااللفظ فهو للرواة من الصحابة فلست تجد حديثا واحدا متفقا على لفظه بل لكل حديث عشرات الألفاظ فكيف نذهب للتعصب للفظ هو فى الأصل غير موحد أو متفق عليه أن التمسك المطلوب لابد أن يكون للمعنى المراد أو للمضون الهادف من وراء اللفظ لا للفظ لذلك كما ذكرت أن اللفظ هو باب عظيم للخلاف و هذا ما يحدث لنا اليوم إذ أن الخلاف ليس للتوسعة بل للتعصب و إعجاب كل ذى رأى برأيه إلى حد التكفير فلو كان الخلاف الحادث من باب التوسعة و الرحمة بالناس لكان فى ذلك كل الخير لكن الخلاف اللفظى الناشئ اليوم هو بغرض أن أثبت صحة مذهبى و خطأ الآخرين و هذا ما عنينا بقولنا فى البداية أنه باب عظيم للخلاف حيث أن هناك فارقا بين الاختلاف و الخلاف فالأول نكون معا على حق و الثانى أكون أنا فقط على حق و أنت على الباطل و ليت الأمر يقتصر على ذلك بل لابد من أن تغير رأيك أو أقاتلك .و بعد فإن الدعوة الحقة هى للاختلاف معا و ليس للخلاف و ليس صحيحا أن رأيا واحدا هو المراد فلو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة و لا يزالون مختلفين وحتى لو كان ذلك كذلك فمن يملك التحديد لهذا الحكم المطلق
إن التوسعة على الناس فى الآراء و التطبيقات هى مقصد الشرع و ما جعل عليكم فى الدين من حرج و لو كان العكس هو المراد لأنزل الله من السماء آية ظلت أعناقهم لها خاضعين .

و الله من وراء القصد أنور محمد أنور

ليست هناك تعليقات: